حملت ثلاثة ألقاب رفيعة خلال حياتها، لقب السلطانة عندما كان زوجها فؤاد الأول سلطاناً على مصر والسودان وعندما أصبح ملكاً حصلت على لقب الملكة.
وعندما وصل ولدها فاروق للحكم أصبح لقبها صاحبة الجلالة الملكة الأم.
سنتناول في هذا المقال كيف كانت لنشأة الملكة نازلي وتأثرها بأفكار الغرب تأثيراً سلبياً على سلوكها كملكة وكأماً للملك
نشأة الملكة نازلي:
ولدت الملكة نازلي يوم ٢٥ يونيو من العام ١٨٩٤، في الإسكندرية في قصر والدها في منطقة سان ستيفانو.
كانت تنتمي لأسرة أرستقراطية رفيعة المستوى.
كان والدها عبد الرحيم باشا صبري مديرا لمديرية المونيفيه ثم وزيرا للزراعة. جدها لوالدها كان شريف باشا صبري أبو الدستور المصري.
أما والدتها فكانت توفيقة هانم إبنة رئيس الوزراء.
وجدها لوالدتها هو سليمان باشا الفرنساوي الذي جاء إلى مصر مع الحمله الفرنسية وفضل البقاء في مصر، واعتنق الإسلام وأصبح قائدا ومدربا للجيش المصري.
كان والدها في طليعة المصريين الذين سافروا إلى الخارج حيث درس الزراعة ليعود وينشئ إقطاعيات. وبالتالي لم يكن أباً داخل إطار الزمن آنذاك. فقد عاد بأفكار جديده عصرية.
لذلك أنشأ إبنتيه نازلي وأمينه نشأة أوربية فقد أرسلهما إلى باريس سنتين للدراسة. وهذا كان نادراً جداً في ذلك الوقت حيث كان العلم شبه محرم على البنات.
وبعد وفاة والدتها عاشت مع السيده صفية زغلول، وهي أخت سعد زغلول فتأثرت بالسياسة وأيدت حزب الوفد بشدة آنذاك.
صفاتها المتميزة وشخصيتها:
كانت إمرأة جميلة وساحرة. كان لديها كاريزما لا تقاوم وحضوراً مميزاً. ذكية وتعشق الحرية. وفاتنة إلى حد أنها تأسر كل من يراها دون أن تتكلم.
أما شخصيتها فقد كانت مختلفة عن كل فتيات جيلها، سواء كن من الأرستقراطيات أو من عامة الشعب.
لأنها درست الأدب الفرنسي في فرنسا وتأثرت بالثقافة الغربية. وبالتالي سلوكها كان مختلفاً، فقد كانت تسهر وتلهو وتحب الرقص الغربي.
زواجها من الملك فؤاد الأول
تزوجت من الملك فؤاد الأول حين كان سلطاناً في عام ١٩١٩ . بعد أن طلق زوجته الأولى الأميرة شويكار كان لابد للسلطان من الزواج في وقت كان الشارع المصري يغلي بالأحداث، فحرمت من حفل الزفاف ومن كل ما يميزها كعروس تزف إلى السلطان.
يقال أنها كانت مخطوبه وأرغمت على الزواج منه وأنها لا تحبه وعندما كانت تسمع عن صفاته ونزواته كانت تقول مسكينة المرأة التي ستكون زوجته.
لتكون هي الزوجه المسكينة، ولتعيش أتعس حياة زوجية. فقد كان الملك فؤاد رجلاً صارماً شديد الغيرة عليها، بسبب جمالها الفاتن،وقوامها الرشيق، وصغر سنها لأنه كان أكبر منها بعشرين عاماً.
عانت من القسوة والعنف حتى قيل أنه كان يضربها. عاشت سجينة القصر محرومة من الخروج والتنزه، والتواصل مع الآخرين والاختلاط معهم، حتى أولادها لم يسمح لها رؤيتهم إلا ساعة باليوم.
كان يعين عليها حراسا لمراقبتها وليخبروه بأدق التفاصيل عن تحركاتها اليومية. في الحقيقة كان زواجاً مريراً لم تهنأ يوماً معه ولم تتذوق طعم السعادة. كل ذلك أثّر في سلوكها وفي شخصيتها بعد وفاة زوجها.
أولاد الملكة نازلي:
أنجبت من الملك فؤاد خمسة أبناء هم: الملك فاروق والأميرات فوزية و فايزة وفائقة وفتحية
وجميع أسماءهم تبدأ بحرف الفاء كما كان يريد الملك فؤاد حيث كان يتفاءل بحرف الفاء.
الملكة نازلي وولدها فاروق واستلام العرش:
كان للملكة نازلي مواقفاً رائعة ليتربع إبنها فاروق على العرش ولعبت دوراً عظيماً في البداية لتسانده في الوصول إلى الحكم .فقد كان صغير السن لا يتجاوز ستة عشر عاما حين توفي والده عام ١٩٣٦.
عينت الملكة نازلي لجنة وصاية لتقف جانب فاروق واختارت رئيساً لهذه اللجنة أبرز الطامعين في العرش، وهو إبن عم الملك فاروق، الأمير محمد علي توفيق، وبذلك تضمن ولاءه.
ثم طلبت من شيخ الأزهر الإمام مصطفى المراغي، استصدار فتوة بأنه يجوز للمرء التصرف بأمواله حين يبلغ الخامسة عشر وبذلك تسلم الملك فاروق مقاليد الحكم
الملكة المراهقة والشائعات والفضائح:
بعد رحيل الملك فؤاد الأول وبعد إستلام الملك فاروق حكم البلاد، إنطلقت الملكة نازلي للإستمتاع بالحياة ومباهجها. فأصبحت تزور صالونات التجميل وتصبغ شعرها وتتزين بشكل لايليق بسنها أو مكانتها.
فأصبحت لاتبالي بالبروتوكولات الملكية وبكونها أم الملك ولا بأنها كانت زوجة الملك. فتعددت علاقاتها العاطفيه مع رجال القصر وكان أبرزهم أحمد حسنين باشا.
عشيق الملكة الأول:
أغرمت الملكة نازلي بأحد رجال البلاط الملكي وهو أحمد حسنين باشا، الذي كان مرافقاً للملك فاروق منذ الصغر وبعد أن أصبح ملكاً صار أحمد حسنين باشا أهم رجال الملك وأهم رجال القصر.
العلاقة بين الملكة نازلي وأحمد حسنين باشا:
كان أحمد حسنين باشا على دراية كاملة بمعاناة الملكة نازلي من قسوة زوجها الملك فؤاد الأول فصار يتقرب منها ويعاملها بحنان وسرعان ما وقعت الملكة المحرومة والمظلومة في غرامه ونشأت بينهما علاقة كانا يعتقدان أنها سرية.
كان أحمد حسنين باشا خبيرا بالتعامل مع النساء اللاتي تجاوزن مرحلة الشباب. طلق زوجته أم أولاده ليكسب قلبها وبالتالي ليتمكن من السيطرة على الملك والقصر.
إلا أنه بدأ يقلل من إهتمامه بها ويقتصد في حبه خوفا من إفتضاح علاقته بالملكة أمام إبنها الملك. لكن الملكة لم تخجل من إعلان حبها له أمام إبنها الملك وأمام رجال القصر.نسيت من تكون وتناست سنها الذي تجاوز الأربعين.
كانت الصدمة قاسيه على الملك وتهاوت أمامه المثل العليا المتجسدة في شخصية والدته.
إنتهت العلاقة بمباركة الملك لزواج والدته من أحمد حسنين باشا على مضض، ليكبح جماحها ويرتاح من رعونتها وعدم تفهمها لحساسية العرش ومدى تأثير سلوكها عليه.
ولكن أحمد حسنين باشا توفي عام ١٩٤٦ إثر اصطدام سيارته بشاحنة كان يقودها سائقا إنكليزيا مخمورا.
الرحيل عن مصر:
بعد وفاة زوجها قررت الملكة نازلي مغادرة البلاد. فجمعت ما استطاعت من أموال و مجوهرات وطلبت الإذن من الملك بالسفر بحجة العلاج لأنها كانت تعاني من أمراض في الكلى. سافرت إلى مرسيليا في فرنسا مصطحبة ابنتيها الأميرتين فائقة و فتحية.
المغامرات والفضائح الجديدة في فرنسا:
عندما وصلت الملكة نازلي مع إبنتيها إلى مرسيليا في فرنسا، كان في إستقبالهن رياض غالي، الذي كان موظفاً في القنصلية المصرية في فرنسا. حيث كلفته القنصلية أن يكون تحت خدمة الملكة والأميرتين.
ولكن حليمة عادت إلى عادتها القديمة، وما لبثت أن نشأت علاقة بينها وبين رياض غالي. وتطورت العلاقة وتوطدت فأصبح يلازمها طوال الوقت.
الملك و ردود فعله
وصلت الأخبار المحرجة إلى ولدها فاروق، فطلب من والدته الإبتعاد عن رياض غالي إلا أنها رفضت. فاضطر الملك أن يأمر القنصلية المصرية في فرنسا لتنحي رياض غالي عن خدمة الملكة. رفض رياض غالي بدوره التنحي فقررت وزارة الخارجية إحالته على المعاش.
إلا أن الملكة لم ولن تتخلى عنه فاستبقته بجانبها بصفته سكرتيراً خاصاً لها. ومنحته توكيلاً للتصرف بأموالها وإدارة أعمالها.
حالتها الصحية ومغادرة فرنسا:
لم تتحسن حالة الملكة نازلي الصحية فقررت السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية مصطحبة رياض غالي.
رياض غالي وشخصيته وسلوكه المنحرف:
كان رياض غالي شاباً مسيحياً كاثوليكياً يبلغ الثلاثين من العمر. كان شخصاً جشعاً طماعاً سيئ الخلق وصولي. لم يكن يريد الملكة بل كان يريد المال ويحلم بالأميرة الصغيرة فتحية. ولأنه أدرك أنه لن ينال قلب الأميرة إلا إذا أحب الملكة وأطاعها.
العلاقة الغرامية بين الأميرة ورياض:
الأميرة فتحية الطفلة ذات الستة عشر ربيعاً رأت في عشيقها رياض الفارس الوسيم الذي يشبه أبطال القصص الغرامية .
وقد قيل أنه عثر على مشبك ألماس لها كانت قد فقدته في أحد المسارح وشبك قلبها به. وزاد إعجابها به عندما اشترى مسدسا ليحميها و يحمي والدتها ولم يخطر ببالها أنها ستقتل به.
الشائعات تطال الأميرة فتحية:
وصل رياض غالي إلى قلب الأميرة بعد أن رأت فيه الملكة زوجاً مناسباً للأميرة . تنازلت عنه لإبنتها ولا نعلم لماذا، هل لتستر نفسها وتنفي الشائعات التي طالتها أم لأنها رأته الزوج اللائق للأميرة؟
بدأت الأميرة برحلاتها الغراميه مع عشيقها وتجلى ذلك بالسهر والخروج بموافقة الملكة. وسرعان ما نقل السفير المصري في الولايات المتحدة الأمريكية أنها كانت مع غالي في مشهد غرامي في إحدى السهرات.
تجريد الملكة نازلي والأميرة فتحية من ألقابهما الملكية:
جن جنون الملك وطلب من السفير إبعاد غالي عن الأميرة فتحية ولكنه فشل. واتصل رئيس الوزراء بالملكة لمنع هذا الزواج، فردت عليه الملكة وقالت: ومن قال أن زواج الأميرة من إختصاص رئيس الوزراء.
أخيراً أرسل فاروق يحذر أمه من هذا الزواج الذي سوف يجلب العار للعائلة المالكة، ويطلب منها العودة إلى مصر مع الأميرة. لكنها رفضت.
طلب الملك من الولايات المتحدة الأمريكية طرد أمه وشقيقته فهددت الملكة بنشر ذلك في الصحف الأمريكية. تدخل شقيقها محمد باشا صبري لإنهاء الأمر ومنع الزواج، فلم يفلح هو الآخر.
لم يترك الملك أي وسيلة لمنع زواج شقيقته حتى أنه حاول خطف الأميرة و لم ينجح. الزواج تم عام ١٩٥٠ رغماً عن أنف الملك وصرحت الملكة نازلي بالصحف أن الشعب المصري متخلف وهاجمت الملك واتهمته بالرجعية.
كان أسود يوما في حياة الملك فاروق أصيب وقتها بنوبة قلبية. وما كان منه إلا أن دعا مجلس البلاط لإتخاذ قراراً كان من أصعب القرارات، وهو تجريد والدته وشقيقته من ألقابهما الملكية وحرمانهما من مخصصاتهما المالية ومصادرة جميع أملاكهما في مصر.
الزواج الفاشل:
خسر رياض غالي كل أموال الملكة والأميرة في أعماله واستثمارته الفاشلة. وكان مدمنا للخمر والهيروئين ومقامراً. غدت الحياة معه صعبة وشاقة فطلبت الأميرة الطلاق. ولكن الملكة نسيت أمر التوكيل الذي منحته إياه سابقا فاستدان بموجبه قرضا كبيرا من البنك ليخسر مجددا في أعماله.
قررت الأميرة فتحية العمل لتعيل والدتها وتربي أولادها.وحين أرادت العودة إلى مصر بإذن من الرئيس السادات، قتلها رياض بذات المسدس الذي حمله سابقا لحمايتها. ودفنت بإحدى المقابر المسيحية في لوس أنجلوس. أما هو فقد حاول الإنتحار ولكنه لم يمت وعاش ثلاث سنوات في السجن مشلولا و فاقداً للبصر.
نهاية الملكة نازلي:
في عام ١٩٧٣ أعلن البنك الفيدرالي الأمريكي إفلاسها وجدولة ديونها وبيع ممتلكاتها في المزاد العلني وكان ذلك بعد أن استقرض غالي مبلغا كبيرا من المال من البنك بموجب التوكيل الذي تحدثنا عنه.
عاشت بعد تلك الأحداث حياة بائسة واضطرت للسكن في غرفة في حي فقير في لوس أنجلوس. أصيبت بمرض السرطان واعتنقت الديانة المسيحية عرفاناً منها بالجميل للممرضة المسيحية التي قامت على خدمتها ومساعدتها بالعلاج أثناء مرضها كما ادعت.
توفيت في ٢٨ أبريل عام ١٩٧٨ ودفنت في إحدى الكنائس المسيحية في لوس أنجلوس.
الملكة الكارثة:
كانت معول هدم لعائلتها مسببة الكوارث ومصطحبة العار والخزي. كانت أحد أهم الأسباب في تصدع الملكية واهتزاز عرش إبنها الملك ثم سقوطه.
كان ولدها بحاجة إلى من يقف بجانبه وإلى من يلهمه سداد الرأي لينهض ببلاده وعرشه وكان من الممكن أن يسير به قطار الحياة في طريق أفضل ولاسيما أنه كان شاباً صغيراً وسيماً أحبه الشعب وتوسم به الخير.
إلا أن والدته ضربت بعرض الحائط أنها أماً للملك أنانيتها وطيشها في وقت كان يتوجب عليها التضحية بكل ماتصبو إليه وكل ماكانت تحلم به أجهز عليها وعلى الملك وعلى العرش.
الخاتمة
الأم كلمة واحدة ولكنها تعني الكثير من القيم الإنسانية، إنها تعني الحب، التضحية، الوفاء، الإخلاص، العطاء، إنكارالذات، فأين كانت نازلي من تلك القيم؟